المقالات

    الأخلاق

يمكنُ تعريفُ الأخلاقِ على أنها شكلٌ من أشكالِ السياسةِ التي تتخذُ حالةَ التقاليدِ المؤسساتيةِ التاريخية. فبينما تؤدي السياسةُ بالأغلبِ دورَ المُبدِعِ والحامي والمُغَذّي يومياً، فإنّ الأخلاقَ تَقومُ بالخدمةِ عينِها من أجلِ المجتمعِ القائم، وذلك عن طريقِ القوةِ المؤسساتيةِ والقواعديةِ للتقاليد. هذا وبالمقدورِ أيضاً تقييمُ الأخلاقِ بأنها الذاكرةُ السياسيةُ للمجتمع. لذا، فالمجتمعاتُ المنحطةُ خُلُقياً، أو التي تَفتقرُ إلى الأخلاق، تدلُّ على مدى ضعفِ ذاكرتِها السياسيةِ أو خُسرانِها إياها، وتشيرُ بالتالي إلى مدى فقدانِها لقوتِها المؤسساتيةِ والقواعديةِ التقليدية. وهذا ما مفادُه بالنسبةِ لمجتمعٍ ما، افتقارُه للدفاعِ الذاتيّ، وإسقاطُه في حالةٍ ينفتحُ فيها على شتى أشكالِ الممارساتِ التحكميةِ والاستعماريةِ والصّاهِرةِ داخلياً وخارجياً. من هنا، فالدافعُ الأوليُّ الذي يتوارى خلفَ قيامِ أنظمةِ السلطةِ وكياناتِ الدولةِ بتعريةِ الأخلاقِ والنهشِ فيها على الدوام، وخلفَ فرضِها الإرادةَ القانونيةَ أحاديةَ الجانبِ (الشكلَ الأخلاقيَّ للمهيمنين) على المجتمعِ بدلاً منها؛ هو النظرُ بعينِ الضرورةِ الحتميةِ إلى إقحامِ ذاك المجتمعِ في وضعٍ يغدو فيه منفتحاً على حُكمِ السلطةِ والاستغلالِ دائمياً وبنيوياً، وذلك بعدَ تخريبِ السياسةِ والإدارةِ الذاتيةِ فيه. ذلك أنّ مجتمعاً يحيا أخلاقَه بقوةٍ ومناعة، لا يُمكنُ أنْ يُذعِنَ للسلطةِ والاستغلالِ بسهولة. كما وإنّ أكثرَ حالاتِ الأخلاقِ سلبيةً ورجعيةً وبدائية، أثمنُ بالنسبةِ لمجتمعٍ ما من أكثرِ قوانينِ وأحكامِ السلطةِ والدولِ تقدماً. والمكانُ الذي يَسُودُ فيه المجتمعُ الأخلاقيُّ والسياسيّ، ناهيكَ عن عدمِ جدوى السلطةِ والقانونِ فيه، بل يَغدوان فيه عبئاً يَصعبُ تَحَمُّلُه. وبقدرِ تحويل مجتمعٍ ما أخلاقياً وسياسياً، فإنه يَغدو بالمِثلِ ديمقراطياً وحراً ومُفعماً بالمساواة، وبالتالي يصبحُ مقاوِماً ومنغلقاً على استثمارِ واستغلالِ نُخَبِ السلطةِ واحتكاراتِ رأسِ المال. أما قيامُ علومِ الاجتماعِ المُستَوحاةِ من الليبراليةِ بإسقاطِ السياسةِ إلى مستوى الديماغوجية والغَوغاء، وتعريفُها بشكلٍ خاصٍّ للأحزابِ التي هي نماذجٌ مُصَغَّرةٌ من الدولةِ على أنها أدواتٌ ديماغوجيةٌ أساسية؛ فلا يقتَصِرُ فقط على كونِه إساءةً شنيعةً وخيانةً للعلمِ باسمِ العلم، بل ويتأتى من وظيفتِه في خدمةِ احتكاراتِ السلطةِ والاستغلالِ بأداءِ دورِه الذي يُعتَرَف له به عن وعي.

جبهة النضال الديمقراطي

علي ابراهيم

عضو لجنة الاعلام في جبهة النضال الديمقراطي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى