المقالات

تأثير السياسات الاستعمارية الدولية وخطورة المشاريع العثمانية الجديدة في العراق

  ان هناك تاريخ طويل للسياسات الاستعمارية والتوسعية على العراق والشرق الاوسط برمتها، ولكن في عصرنا الحديث بدأت السياسات الاستعمارية الدولية تلقي بتأثيراتها الخطرة والدموية على العراق والمنطقة بعد ان اتفقت بريطانيا وفرنسا وروسيا من خلال اتفاقية (سايكس- بيكوف- سازانوف) على تقسيم جميع أراضي الشرق الأوسط التي كانت تحكمها الامبراطورية العثمانية لأكثر من أربعة قرون متتالية. وبعدما خسرت الامبراطورية العثمانية (1299-1923) الحرب العالمية الاولى أمام قوات الحلفاء (اي بريطانيا وفرنسا) وانهارت، قامت القوات المتحالفة والمنتصرة في الحرب بتقسيم تلك الاراضي فيما بينها، وانسحبت روسيا اثناء الحرب من الاتفاقية بسبب اندلاع الثورة البلشفية فيها. وفرضت بريطانيا و فرنسا سياستهما الاستعمارية على البلاد الشرق اوسطية من خلال عمليتي التقسيم والتقاسم (اي سياسة فرق تسد) رغم ارادة شعوبها وبَنَّت حسب استراتيجيتهم الاستعمارية مستعمرات مرتبطة بهما على شكل دويلات قومية. فأستمرت تلك الدويلات القوموية كنواب لصون مصالح تلك الدول منذ بداية القرن الماضي الى الآن، اي قرنا كاملاً. فأصبحت تلك الدول قفصاً فولاذياً لشعوبها، حيث مارست وبالتعاون ومساندة الدول العظمى استراتيجية الابادة ذات الركائز الاربع “التنكيل، الابادة الجماعية، الصهر القومي والتهجير القسري” على جميع شعوب المنطقة. واليوم تحاول الدول الرأسمالية الكبرى كل على حده الاستمرار على سياستهم الاستعمارية والتوسعية بطرق جديدة بغية الوصول الى الهيمنة الكاملة. عقب سقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي المشيد واندلاع حرب الخليج الثانية. بدءأت كل من أمريكا وبريطانيا وروسيا والصين بأعادة النظر في استرتيجيتهم للشرق الاوسط بشكل عام والعراق بشكل خاص، وتبلورت مشاريع استعمارية توسعية جديدة للهيمنة على الشرق الاوسط وبلاد الرافدين. كما نعلم ان اخطر المشروع الاستعماري الدولي الجديد بدأ عقب حرب الخليج الثانية في بداية تسعينيات القرن الماضي. وان لب المشروع هو احتلال العراق كاملا وترسيخ واعادة تشكيل نظامه من خلال  نظامهم العالمي الجديد في الشرق الاوسط. ففي وقتنا الحالي هناك مشاريع استعمارية و استراتيجيات كثيرة للهيمنة على العراق والمنطقة. فمنها مشاريع او استراتيجيات دولية وأخرى مشاريع او استراتيجيات أقليمية للسيطرة على العراق والمنطقة. فأما المشاريع الدولية فهي:

  1. المشروع الامريكي-البريطاني وبعض دول اوروبية أخرى بأسم الشرق الاوسط الكبير او الجديد.
  2. المشروع الروسي باسم مشروع أوراسيا اي الهيمنة على اوروبا الشرقية واسيا. وللشرق الاوسط والعراق مكانة خاصة في هذا المشروع.
  3. المشروع الصيني بأسم حزام واحد، طريق واحد وتسمى أيضًا مبادرة الحزام والطريق، وللعراق و كافة الشرق الاوسط مكانة خاصة في هذا المشروع.

وهناك ايضا مشاريع أقليمية للسيطرة على العراق والمنطقة وهي:

  1. المشروع التركي الاحتلالي، بأسم العثمانية الجديدة.  
  2. المشروع الاسرائيلي بأسم الشرق الاوسط الجديد.

ولأن موضوع بحثنا الان ليس تناول كل هذه المشاريع وانما تسليط الضوء على تأثير السياسات الاستعمارية الدولية و خطورة العثمانية الجديدة في العراق فقط، لذا سنركز على هذا الموضوع فقط. فنذكر وبأختصار شديد بعض سمات وخصوصيات مشتركة لتلك المشاريع:

اولا: بالرغم من ان تلك المشاريع ذات اهداف مختلفة ومتناقضة ومتصارعة بعضها مع البعض الا انها ذات جوهر واحد وهو الوصول الى الهيمنة الكاملة على العراق والشرق الاوسط واحتلالهما، بغية نهب ثرواتهما واستغلال موقعهما الجيوستراتيجي والجيوسياسي وبالتالي الهيمنة على العالم برمته.

ثانيا: ان تلك المشاريع لاتقتصر فقط على البعد الاقتصادي او الاهداف الاقتصادية وانما لكل مشروع ابعاد و اهداف ايديولوجية (فكرية) و سياسية و امنية و عسكرية وحتى ثقافية ايضاً.

ثالثا: يمكننا القول بأن المشاريع الاقليمية ليست بمشاريع مستقلة تماما عن المشاريع الدولية. فالمشروع التركي و الاسرائيلي بالرغم من تناقضاتهما الجزئية فيما بينهما الا انهما اجزاء او فروع من المشروع الليبرالي الامريكي- البريطاني الكبير.

رابعا: فبالرغم من عدم استقلالية تلك المشاريع الاقليمية بشكل كامل عن المشاريع الدولية، فان كل دولة قوموية في شرق الاوسط لها مشروع توسعي واحتلاليٌ خاص بها، ووراء كل مشروع توسعي اقليمي اهداف و استراتيجية قوموية ودينية ومذهبية، وبالتالي نراها مبنية على ايديولوجيات القوموية والدينية والمذهبية، انها مشاريع احتلالية وتوسعية بحتة وبعيدة كل البُعد عن التطلعات والافكار الديمقراطية والمشروع الديمقراطي، وتأخذ مصالح شعب او مكّون ديني أو مذهبي واحد فقط على حساب الشعوب و المكونات ألاخرى في العراق والمنطقة.

لكي لانخرج من اطار عنوان الموضوع نرّكز في بحثنا هذا على ماهية واهداف المشروع التركي المسمى ب”العثمانية الجديدة” وخطورته على مستقبل الشعب العراقي وشعوب المنطقة.

قبل كل شيء علينا العودة الى العثمانية قبل تناول العثمانية الجديدة. فالعثمانيون الذين اعتلوا منصة التاريخ لسبعة قرون متتالية، تضمنها 400 عام قضوها في احتلال العالم العربي والشرق الأوسط. يقول المؤرخون إن السلطنة العثمانية خلال هذه الفترة كانت ”كسرطنة“ دخلت جسد المنطقة وأبادت الملايين من الشعوب الرازخة تحت احتلالها. وذاقت من ظلمها الشعوب التي وقعت تحت وطأتهما الويلات والمجازر التي ارتقت الى الابادة الجماعية للشعوب. بدأ الأتراك الاتحاديون بعد استلامهم الحكم في أواخر عمر الدولة العثمانية بممارسة سياسة تمثلت بسياسة التتريك التي نتج عنها سوء العلاقة بين الأتراك والشعوب العربية والكردية والقوميات الأخرى. أدت سياسة التتريك والنهج المتغطرس الذي مارسه الاتحاديون ضد الكرد والعرب والشعوب الأخرى إلى تخلف المنطقة وغرقها في بحر من الجهل والفقر والاستبداد إلى جانب الاستيلاء على ثروات بلاد الرفداين وتسخير أبنائها واستنزاف طاقاتهم لخدمة مصالحهما، فسياسة التتريك التي اتبعها حكام الترك سياسة عنصرية وفاشية مارسها الاتحاديون ضد الكرد والعرب والقوميات الأخرى لفرض اللغة التركية في التعليم والمؤسسات الحكومية ودوائر الدولة وعلى شعوب منطقة ايضا.

وشهدت الدولة التركية القائمة على أنقاض العثمانية حقبة جديدة وتولت حكمها الاحزاب القومية الشوفينية والعلمانية، الى ان جاء الخليفة التركي “العثماني” القومي – الديني الفاشي. حيث يحاول اردوغان من خلال تدخلاته في شؤون البلاد المجاورة لها والعربية والاسلامية، وينصر الارهاب والجماعات المتطرفة كقوات انكشارية في محاولة لأحياء السلطنة العثمانية التي ارتكبوا من ألابادات “جينوسايد” بحق الشعوب والمذابح والمجازر في كل بقعة أحتلوها من الشرق الاوسط واوروبا وأسيا. فيما حفيدة العثمانيين “تركيا اليوم” تسير على نهج سلفها العثماني، وفي كردستان العراق و عفرين وسري كاني و كري سبي في سوريا مثلا ترتكب كل اليوم مجازر دموية بحق آلاف المدنيين، على غرار ما أرتكب أجدادهم العثمانيون بحق شعوب الشرق الاوسط عامة وكل بقعة أحتلوها. واليوم ينفخ اردوغان في نيران الصراعات الآثنية والطائفية في منطقة الشرق الاوسط، مكملا بذلك السياسة العثمانية القديمة. طبعا الدولة التركية لم تخفي اطماعها لأحتلال البلاد المجاورة لتركيا، وقد صرح اردوغان اكثر من مرة بالقول التالي:” لقد اجبرونا على قبول الحدود الحالية. لوزان لم تكن نصرا بالنسبة لنا. أما أن تصبح تركيا أكبر وأما ان تصبح أصغر” ويتحدث ايضا عن الحدود مع حلب الى الموصل. وهذا يعني ان أردوغان يحاول في القرن الواحد والعشرين، اي بعد نحو مأئة عام على انهيار الامبراطورية العثمانية ان يكرّر دور السلطان سيلم ياووز، واعادة المنطقة الى تاريخ الصراعات الدموية. وهذا ما مارسه فعلاً منذ استيلائه على الحكم في تركيا.

فمنذ سقوط الإمبراطورية العثمانية مطلع القرن الماضي. لم يكن الجيش التركي منتشرا في الشرق الأوسط كما هو اليوم، ولكن النعرة الاستعمارية العثمانية الجديدة التي يروج لها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أملا في انتزاع ثروات البلدان التي تعاني من عدم استقرار داخلي. أن حزب العدالة والتنمية الإسلامي بعد استلام السلطة في تشرين الثاني عام ٢٠٠٢ اعتمد سياسة التقارب وتوثيق العلاقات مع الدول العربية والإسلامية من بوابة الاقتصاد والسياحة والمراكز الثقافية كقناع لأخفاء نواياه التوسعية مما كان له الأثر البالغ في طي صفحة الإرث العثماني العالقة في ذهن المواطن العربي حتى وقت قريب. والمفاجئة الصادمة هو إقدام تركيا على دعم ما يسمى بالربيع العربي وساندت المظاهرات المناهضة للحكومات العربية، كما ودعمت صعود تيارات الإسلام السياسي في المنطقة العربية بعد سقوط النظام في تونس وليبيا ومصر تحديدا. الواقع ان التطورات الداخلية لبعض الدول العربية كانت بمثابة قبلة الحياة للمشروع التركي ضمن سياسته التوسعية والتي تهدف لعودة المنطقة الى الإرث العثماني الجديد. بعد أن كانت تركيا تنتهج مبدأ تصفير المشاكل والدعوة الى إنهاء الصراعات بين الدول والسعي الجاد للحوار والمصالحة بين دول المنطقة، أصبحت اليوم محاطة بالأعداء من كل الجهات. ترى تركيا نفسها وفق توجهات حزب العدالة والتنمية لاعبا مهما من حقه التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية من منطلق أن استقرارها يهم تركيا. احداث الربيع العربي في تلك الدول كانت بمثابة الطريق الممهد لتركيا للعب دورها في صياغة مشروع الشرق الاوسط الجديد بما يتماشى مع المشروع الاميركي الاسرائيلي للمنطقة. ضمن إطار هذا المشروع أصبحت تركيا جزءا لا يتجزأ من المشروع، ووفق رؤية المشروع الاميركي الاسرائيلي تتحول تركيا إلى شرطي المنطقة واحدى وسائل الضغط على دول المنطقة. ففي الدول التي لا تتماشى مع سياستها بالدبلوماسية والقوى الناعمة تلجأ الى استخدام التدخل العسكري وهذا ما حدث فعلا على أرض الواقع، وقد استخدمت تركيا الجماعات الاخوانية في تلك البلاد بغية الوصول الى الهيمنة عليها، ولاسيما اثناء فترة الربيع العربي وفترة الاضطرابات والثورات الشعبية.

فمن اطار الاستراتيجية العثمانية الجديدة تتواجد تركيا الآن بجيوشها وعملائها المرتزقة فى سوریا و العراق و لیبیا وقطر والصومال. فمثلا تدخلها المستمر والمباشر وغير المباشر فى الشأن العراقى من خلال عملائها بغية نهب ثرواتها البترولية، وبَنّت 4 سدود على نهر الفرات للاستیلاء على المیاه. و شيّدت  اكثر من 45 معسكرا لجيشها في كردستان العراق و الموصل، ولابد من التأكيد على ان السبب الكامن وراء العمليات العسكرية في كردستان العراق و تحشداتها  العسكرية على الحدود العراقية انما هو جزء من مخططاتها الاحتلالية التجزيئية للعراق.

من الواضح ان مدينتا كركوك والموصل في العراق وعفرين في سوريا، هي في باكورة أهداف حزب العدالة والتنمية نحو استعادة الميراث العثماني. وهذه المناطق هي نفسها الحدود التي رسمتها الدولة التركية في “الميثاق الميلّي”. طبعا لم تستطيع تركيا استعادة الاماكن التي حددتها في الميثاق الملّي بشكل مباشر لذلك عمدت الى الاساليب والطرق السرية وعبر بعض حلفائها وعملائها. يمكننا القول انها وصلت الى جزء من اهدافها هذه. فهي استطاعت ان تسيطر على جزء كبير من اقليم كردستان سياسا واقتصاديا وامنيا عبر بعض الاطراف الحليفة لها. وهي ألان تحاول ان تحقق كل أهدافها على مستوى العراق برمته عبر دعمها لبعض العوائل الحاكمة والاحزاب المتسلطة القوموية والدينية والمذهبية (سواء اكانت كردية أو عربية او تركمانية) ومجموعات المرتزقة. لاشك ان احتلال اقليم كردستان و مدينتا الموصل و كركوك من الاهداف الاستراتيجية للعثمانية الجديدة. ففي عام 2014 حركت تركيا مرتزقة داعش ودعمتها للسيطرة على الموصل في يوم 9 من حزيران فأحتلوا المدينة وارتكبوا المجازر فيها و دمروا المدينة بأكملها. ومن بعدها احتلوا سنجار في 3 من اب وراتكبوا فيها المجازر و دمروها. ثم ما لبث المرتزقة وان أحتلوا مدينة تلعفر وأغلبها من التركمان الشيعة، وارتكبوا فيها المجازر ايضا دون أن تحرك تركيا ساكناً. وبعد هذا الاحتلال حرك جيش الاحتلال التركي قطعات كبيرة من قواته ووجهها الى داخل العراق وتحديدا منطقة بعشيقة القريبة من الموصل. حينها بدأت ألاحلام العثمانية في السيطرة على كركوك والموصل اقرب الى التحقيق. وبعد تحرير الموصل وسنجار من قبل الحشد الشعبي والقوات الكردية والجيش العراقي،  فأن تركيا مستمرة في تحقيق احلامها واطماعها من خلال شتى طرق ووسائل دنيئة، سواء اكانت عن طريق عمليياتها العسكرية او عن طريق وسائل الحرب الخاصة و القوة الناعمة لديها. يمكن ان نوَصّف العثمانية الجديدة بأنها نهج فاشي توسعي واحتلالي، يستند على التنكيل بهويات الشعوب و ابادتها و الصهر القومي في بوتقة العرق التركي و التهجير القسري للمناطق التي تحتلها، ويقود حزب العدالة والتنمية في تركيا هذا النهج للهيمنة على العراق ومنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا. لذلك انه من اخطر المشاريع الاستعمارية على الاطلاق في وقتنا الحاضر، لانه يستند على البطش وابادة الشعوب ونهب ثرواتها بأسم الايديولوجية الدينية واحياء الامبراطورية الاسلامية ومسميات اخرى زائفة. تقاطعت العثمانية الجديدة مع المشروع الامريكي للشرق الاوسط الكبير. بل كان منظّروها يرَون انها يمكن أن تكون طليعة الشرق الاوسط الكبيره الذي يعني ضرب الدول والقوى المعادية للسياسات الغربية، وتفجير البنى الجغرافية للمنطقة لضمان الهيمنة الغربية والاسرائيلية عليها. هكذا اعلن اردوغان بالصوت والصورة في العام 2005 أنّه سيكون الرئيس الشريك في قيادة مشروع الشرق الاوسط الكبير. اذن فمشروع العثمانية الجديدة جزء خفي من مشروع الشرق الاوسط الكبير الامريكي، ومن الجانب الاخر هو مشروع توسعي تركي خالص يستند على نموذج جديد للفاشية القومية-الدينية التي تسمى بالفاشية الخضراء كتعبير عن امتزاجه الايديولجية الدينية الاسلاموية بالايديولوجية القوموية الطورانية.

من الواضح ان كل دولة لها مشروعها الخاص للهيمنة على العراق والمنطقة. واليوم تتداخل و تتشابك و تتصارع تلك المشاريع مع بعضها البعض على حساب شعوب المنطقة. ولكن اين هو مشروع او مشاريع الشعوب العراقية والشرق اوسطية لصون بلادهم و انفسهم من الهيمنة الدولية و الاقليمية ومشاريعهم الاستعمارية والتوسعية؟! لابد من مواجهة تلك المشاريع الاستعمارية من قبل شعوب المنطقة. ولكن كيف يمكن للشعوب ان تواجه كل هذه الدول؟! وبأي نهج يمكنها المواجهة؟ وماهي الادوات والوسائل للمواجهة. قبل كل شيء فأن الفهم الصحيح لنوايا تلك المشاريع الاستعمارية والادراك الواعي لأهدافها التوسعية هو بمثابة نصف المواجهة. مثلا فأن كل المشاريع الآنفة الذكر البدء خطواتها وتحقيق أهدافها تحتاج الى تنفيذ “سياسة فرق تسد” الاستعمارية. وهذه السياسة تبحث عن ارضية ملائمة لتزرع بذرتها الخبيثة، وان العصبيات القومية والدينية والمذهبية ونزاعاتها وصراعاتهم فيما بينها في اي بلد كانْ، هي ارضيةً ملائمة و خصبة لتحقيق اهدافها. فمثلا تستند السياسة العثمانية الجديدة على تعميق المشاكل والقضايا العالقة بين الشعوب و الاديان والمذاهب في العراق، من خلال وسائل الحرب الخاصة وتدخلاتها المستمرة في الشأن العراقي فانها تشجع على تطوير العصبيات بين الاطياف والمكونات العراقية. اذن فأن ادراكنا لخفايا هذه السياسة التوسعية اولا وتجفيف ارضيتها الا وهي الذهنيات المتعصبة والعنصرية. يمكننا ان نواجه كل هذه المشاريع و نسف اركان استراتيجيتهم الاستعمارية. فالتصدي للأستراتيجيات الاستعمارية والتوسعية لايحتاج الى جيوش كبيرة، ولا الى اسلحة ثقيلة ونووية، وانما يحتاج الى نبذ العصبية بكل انواعها واشكالها ويحتاج الى الادراك والوعي بالمؤامرات الدولية المتجسدة في تلك المشاريع الخارجية. والخطوة الثانية للتصدي هي صنع مشروع بديل ديمقراطي غير مبني على العصبيات القوموية والدينية والمذهبية.

ومن هنا وبغية التصدي لتلك المشاريع التوسعية والاحتلالية الآنفة الذكر. سواء أكانت دولية ام أقليمية قد يطرح فكر بمشروع ديمقراطي شرق اوسطي كبديل لكل تلك المشاريع التوسعية الدولية والاقليمية، ان مشروع كهذا ليس لشعب واحد فقط، وانما طرحه يمكن ان يكون لكافة شعوب المنطقة ايضاً، وهو مشروع المجتمع الديمقراطي التشاركي للشعوب العراقية. حيث نبنى نظام كونفيدرالي ديمقراطي في كل بلد على حده، مثل الكونفيدرالية الديمقراطية العراقية،… ويبنى في نفس الوقت ايضا اتحاد كونفيدرالي ديمقراطي على مستوى الشرق الاوسط….ويمكننا ان نطرح هذا المشروع بصيغته الكونفيدرالية الديمقراطية بين مكونات الشعب العراقي بعربه وكُرده وتركمانه و أشوريه و ارمنيه و الاثنيات ألاخرى وكذلك بين كافة الاديان و المذاهب ايضا. وعلى غرار النموذج الاوروبي او الاتحاد الاوربي يمكننا طرح مشروع الاتحاد الكونفدرالي الديمقراطي للشرق الاوسط، أو أتحاد الشرق الاوسط الديمقراطي.    

خلاصة القول السياسة الاستعمارية الدولية تعتمد في تحقيق اهدافها على الجهل والتخلف والفقر والعصبية والعنصرية، ولاسيما السياسة العثمانية الجديدة التي تعتبر من اخطر السياسات الاستعمارية على العراق والشرق الاوسط وشمال افريقيا. والبديل الحقيقي لتلك سياسات الاستعمارية عموما والسياسة العثمانية الجديدة على الخصوص هو نبذ العنصرية والعصبيات القومية والدينية والمذهبية وبناء عراق ديمقراطي، والتعايش الحر والديمقراطي بين الشعوب. من خلال بناء نظام كونفيدرالي ديمقراطي في العراق والشرق الاوسط. أن ألآوان للشعوب والمكونات الدينية والمذهبية في الشرق الاوسط عموماً والعراق خصوصاً ان تفكر بمشروع ديمقراطي مشترك، مشروع خالي من الايديولوجيات التوسعية والاستعمارية. فلكل شعب او مكون ديني و مذهبي و أثني الحق في ان يكون له مشروع خاص به، ولكن ليس على حساب الشعوب الاخرى أو المكونات الاخرى. وحسب أعتقادنا ايضاً ان اي مشروع يهدف الى الهيمنة و الاحتلال محكوم عليه بالفشل الذريع و غير قابل للتحقيق والتنفيذ. وأن أي مشروع وتحت اي مسمى كان غير مقترن بجوهر ديمقراطي وان لاياخذ مباديء الحرية والمساوات والعدالة والتعايش الحر بين كافة الشعوب والمكونات الدينية والمذهبية على السواء اساساً له يعتبر مشروع توسعي واحتلالي بحت ولايمكن ان يكون مقبولا من قبل كافة الشعوب و المكونات الاثنية والدينية والمذهبية في العراق.

علي ابراهيم

عضو لجنة الاعلام في جبهة النضال الديمقراطي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى