المقالاتمنوعات ثقافية

أزمة الشباب العراقي والبحث عن الحلول

تعتبر الشريحة الشبابية من أهم الشرائح الاجتماعية في كافة المجتمعات الإنسانية. وتأتي هذه الأهمية، من كون الشبيبة مصدر كل تغيير في المجتمع، والمنبع الذي تستمد منه جميع الشرائح الأخرى الأمل في مستقبل أفضل. بالتأكيد هذا هو الوضع الطبيعي لمجتمعات تنمو نموَّاً طبيعياً وبصيرورة تاريخية متوافقة ومنسجمة مع المستجدات العالمية الحاصلة غير أن الوضع معاكس تماماً في مجتمعاتنا حيث تواجه هذه المجتمعات مشكلة مزمنة تحوَّلت الأزمة فيها إلى مرحلة مليئة بالفوضى والمشاكل المستعصية الحل. ذلك أن الدولة ممثلة بالنظام الحاكم هي من تحدِّد التوجهات العامة للشبيبة، وترسم لهم الطريق الذي يتوجَّب عليهم أن يسلكوه مضطرين او مسلوبي الإرادة ليؤدي بهم في النهاية إلى انتهاج سلوك يتوافق مع ما يرغبه هذا النظام، وبغض النظر عن كل المشاكل المتفشية فالبطالة والانحلال الأخلاقي والاجتماعي وتنمية السلوك الفردي (الأنانية) والتي تجاوزت الحدود، وأوقعت البنية الاجتماعية في حالة من الركود وباتت تهدد التطور الاجتماعي بشكل رهيب فالملاحظ أن المجتمع العراقي  يعاني من أزمة حقيقية على مستوى الفرد والمجتمع والذي يعيش حالة من السبات الفكري والذهني والإبداعي حيث يفقد بذلك قدرته على متابعة تطوره وفق خصائصه وطبيعة بنيته المتنوعة من حيث الانتماء القومي والثقافي.

وفي الوقت الذي دخلت فيه المجتمعات الإنسانية عصر العولمة والثورة التقنية نجد المجتمع العراقي  يقبع في ظل رواسب العلاقات الإقطاعية البدائية ويخضع لنظام سياسي واقتصادي يفتقد فيه إلى القانون والأخلاق الاجتماعية، وعندما نحلل هذا الواقع فإننا نجد أن شريحة الشباب هي أكثر الشرائح عرضة للازمات والضياع وأكثرها تمرداً على ما يحيط بهم من قيم ومعايير اجتماعية والأكثر ميلاً إلى التجدد والتغيير وبالتالي فهي تأتي في مقدمة الشرائح الاجتماعية التي يكرس لها النظام سياسات خاصة تجاههم بهدف إطالة عمره  من خلال فرض معايير خاصة عليهم لتكوين شبيبة وفق مواصفاتهم ليكونوا جيل المستقبل الذي ستسخِّره ليدافع عنه وتسعى هذه الأنظمة الشمولية إلى تنشئة الأجيال الشابة في ظلها وجعلها تترعرع بين أحضانها، وكل هذه الظواهر تشكل انكساراً في رغبة التجديد والانبعاث لدى الشباب وتسدُّ الطريق أمامهم لتقرير مستقبلهم بإرادتهم الذاتية حيث تفرض الدولة على الشبيبة العيش في قوقعة العبودية والرجعية فإذا لم تكن ضمن إطارها كمؤسسة، فضمن ذهنية مؤسسة العائلة التي تمثل الدولة بشكل مصغَّر.

وعند تشخيص واقع الشباب نجد سلسلة طويلة من المشاكل التي أصبحت تواجههم وتقف حائلاً أمام قيامهم بدورهم المنشود في خدمة المجتمع بدءاً من إشكالية الهوية الثقافية والذهنية للشباب وعدم وضوحها بشكل كامل بالإضافة إلى تحكم وسائل الإعلام بتوجهات الشبيبة والعمل على الإفساد وإشاعة الانحلال الخلقي بشكل واسع ولا ننسى انتشار البطالة الناتجة من قلة فرص العمل المتاحة وتدنِّي الدخل ومستوى المعيشة التي تؤدي إلى بروز ظواهر جديدة بين الشباب كالتحايل من اجل الحصول على المال. كما يفقد الشباب نتيجة البطالة تقديرهم لذاتهم ويشعرون بالفشل وأنهم اقل شأنا من غيرهم ويسيطر عليهم الملل ويصيبهم القنوط وعدم الاستقرار. كما يعاني الشباب العراقي من غياب المرجعية الفكرية ابتداءاً بالأسرة، وانتهاءاً بالدولة وما يرافق ذلك من مصادرة للرأي الآخر وتغييب لثقافة الحوار. حيث نجد أن الأب مستبد برأيه في البيت فهو صاحب القرار الأول والأخير وكذلك الحال في كل مرافق الدولة من مدرسة وجامعة ووظيفة حكومية وينتج عن هذا الوضع تهميش ومصادرة رأي الشبيبة أضف إلى ذلك أن المؤسسات الفنية والرياضية والثقافية تحولت من مراكز لتنمية المواهب الإبداعية والفكرية إلى وسائل مخادعة ومخدرة ومفسدة للشباب وتحولت إلى قنوات يقوم النظام من خلالها بتوطيد نفسه وأركان حكمه، والملاحظ أن هناك تناقض كبير بين ما يريده الشباب من مطالب على صعيد العائلة أو المجتمع وبين الواقع المعاش ومتطلباته. ولا مفرّ من هذا الواقع فأن ذلك يؤدي في النهاية إلى شخصية ازدواجية تعيش بين الواقع وبين ما تحلم به.

يكمن الحل في طرح المعالجات الواقعية السليمة التي ستساعد الشباب على النهوض بواجباتهم وتحقيق أحلامهم وأهدافهم في ظل نظام ديمقراطي ومجتمع حر وواعي. ذلك النظام الذي ستخلقه إرادة الشباب معتمدين على قوتهم الفكرية المتجددة بعيداً عن سيطرة جميع السلطات، وجميع المركزيات النابعة من النظام المفتقر أساساً للوعي الديمقراطي فمجتمعنا العراقي بحاجة ماسة إلى تلك القوة الطليعية الواعية التي تستهدف الوصول إلى نظام ديمقراطي، ووصول الشعب إلى بناء مؤسساته المدنية الملبيَّة لحقوقه وبطرق شرعية لفتح الباب أمام تطور المجتمع المدني الذي سيعمل على خدمة كافة فئات المجتمع بعيداً عن سيطرة الدولة وعن ذهنيتها المهترئة.

علي ابراهيم

عضو لجنة الاعلام في جبهة النضال الديمقراطي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى