المقالات

 أزمة الحداثة الرأسمالية، وسبل الحل

ما يجري من تطورات في العالم ومنطقة الشرق الأوسط يشير بوضوح إن تم التدقيق فيها وقراءتها بتمعن أننا أمام إعادة ترتيب للمشهد الإقليمي أو بداية لفصل من الهيمنة العالمية وبأدوات ووسائل أقل تكلفة وأكثر تأثيراً وأوسع بعداً بعد تخبط الأدواة الإقليمية كالدول القومية في سياساتها ومقاومتها للتغيرات الواجبة التي يجب أن تحصل فيها تزامناً مع جيل جديد من أدوات التأثير وعصر الأنترنت ومحاولة تضليل العالم في أن عصر الأيدولوجيات قد ولا وأن القوة والحياة تكمن فقط في الاقتصاد وفي جوانب معينة وليس في الفكر والمعلومة والإرادة الحرة وأن الحرية الشخصية أو الفردية هي الأساس وليست الحرية المجتمعية وهذا بحد ذاته إيدولوجية ليبرالية دولتية.

مما لاشك فيه أن الأفكار و الذهنيات ومعها سلوكياتها المرافقة والمعبرة عنها، تعيش وكأدوات للحكم والسيطرة والدولتية مراحل تجديد مختلفة وعبر كل الأزمنة حتى تضخ دماء جديدة وتعطي استمرارية لنظم الهيمنة والنهب التي مازالت تثقل كاهل المجتمعات والشعوب منذ أن بدأت مسيرة المدنية والحضارة المركزية في تاريخ البشرية وهي على خلاف وتضاد مع الحياة الثقافية والتقاليد الديمقراطية المجتمعية بعد أن تلاقت الثقافتين الأرية والسامية ممثلتين بثقافة تل حلف وثقافة آل عبيد في ميزوبوتاميا ( بلاد مابين النهرين )وتبلورهما في سياق الحضارة المركزية ودول المدن.

أما نظام الدولة كأداة للهيمنة أو في حقيقتها التي تمثل شبكة النهب والقمع مضافاً لها الطبقية والسلطوية فقد كانت في حالة جدلية مع المجتمع كبنية وهوية وتجسيداً للإنسان وثقافة الوجود الكريمة والحرة. و في كل تغير كان تسعى إليه المجتمعات والشعوب أو في حالة الأزمات الحادة كانت للدولة أو المركزية ثورتها المضادة للثورة الحقيقية المجتمعية وغالباً ما كانت الدولة والمركزية تربح الصراع بعد فترة من نجاح الثورة الحقيقة الديمقراطية، ولعل رصد ومتابعة وبحث أغلب الثورات حول العالم تؤكد ذلك حتى حركات التغيرات العميقة التي حصلت مع الرسل في المنطقة بأبعادها الاجتماعية ، ولعل أهم أسبابها يرجع إلى الحداثة أو طراز الحياة والسلوك والثقافة المتبعة والتي لم تختلف في كثير من الأوقات والأماكن بين المتصارعين أو المختلفين على النفوذ والسلطة والمال. وهذا ما جعل دوامة الإسقاط و التهديم والخراب وبناء نفس الشيء يتكرر مرات عديدة ووقودها مجتمعاتنا وشعوبنا وفي كل مرة في أطر وأفق وأبنية فكرية ومادية لاتختلف عن سابقاتها سوى بالشكل والمظهر وليس بالجوهر والمضمون وهي لها نفس حداثة الحياة.

منذ القرن الثاني عشر وما بعده بدأ الانحدار و فقدت منطقة الشرق الأوسط بريقها وحضورها في المشهد الإنساني والأخلاقي وكذلك ريادتها للإنجاز والإنتاج البشري. ودخلت شعوب منطقتنا في صراعات وحروب بينية لا تجلب سوى الضعف والضياع وذلك نتيجة لسكون الفكر والإبداع والتجديد وتفشي الفراغ الفلسفي والعلمي وزيادة المركزية في رؤية كيفية العيش وإدارتها ومرجعية سلوكيات الحياة وإفشال حركات التجديد والتنوير حينها ، إلى أن وصلنا إلى الحرب العالمية الأولى وبعدها للثانية…. وأصبحت منطقتنا وبالدولة والأفكار والسلطات والحركات والسياسات التي تم فرضها وضخها وخلقها أدوات ومستلزمات مؤقتة لازمة لحاجة نظام الهيمنة العالمي مع إنكلترا أولاً ثم مع أمريكا بعد الحرب العالمية الثانية.

وما كانت حركات التحررالوطنية والأحزاب اليسارية واليمينة وكذلك الإسلام السياسي أو السلطوي والتيارات القومية وغيرها سوى منتوجات تخضع لتأثيرات الفكر الإستشراقي الذي همه الأول خلق الأرضية والظروف لتحكم الهيمنة العالمية بمنطقتنا وبثرواتنا وشعوبنا، وما يدل على بعض ما ذكر هو حالة الفاشية والأحادية والإقصائية وإنكار الأخر وحالة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي قامت بها معظم هذه التيارات والحركات التي أدعت أنها تمثل شعوب المنطقة ومصالحها وقامت بالثورات وبناء الدول القومية وهي بعيدة كل البعد عن ثقافة المنطقة وقيمها ومصالح شعوبها المتكاملة و المتعايشة منذ آلاف السنين وماهي سوى حلقة من الفراغ والتبعية والاستعمار غير المباشر . بل أن حالات المقدسات المصطنعة و حالة الإعلام المختلفة لدويلات المنطقة والمجسدة لعرق أو قومية أو اثنية واحدة فقط دون الأخرى وهم في نفس الدولة الواحدة والأناشيد الفاشية والحدود الصارمة المصطنعة لا تختلف بشيء عن عبادة الطوطم أو عبادة الوثنية والأصنام رغم احترامنا وتقديرنا لكل ما ذكر ، لكن كيف نفسر سلوكيات القومويين والإسلامويين والدويلات القومية في منطقتنا في رفضهم للحياة الحرة والتعايش المشترك والأخوة بين الشعوب بإسم الأمن القومي للدولة الفلانية كما تفعله تركيا وغيرها أو كيف نفسر هذا القدر من الحروب والصراعات والنهب من قبلهم سوى أنهم أدوات رخيصة مسلطة على شعوبنا ومجتمعاتنا ويتم إستبدالها متى انتهت أدوارها في اللعبة الإقليمية والدولية وفي اخضاع الشعوب والمنطقة وسد الطريق أمام أية ظهور أي سياق مجتمعي وديمقراطي حر يستند إلى الأصالة والعلمية لتجاوز أزمة المنطقة وحالتها الأداتية والتابعية والمسيرة من غير أهلها وثقافتها.

لكن ما نلاحظه في السنوات العشرة الأخيرة خاصة أو بالأخص منذ التسعينات وتبلور نظام القطب الواحد في نظام الهيمنة العالمي أن هناك تحضيرات لإجراء ترتيبات جديدة وإعادة هيكلة النظام الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط لما يناسب الأولويات المتغيرة والجديدة للنظام العالمي وأهدافه وذلك حسب الحالة الاقتصادية والفكرية والسياسية وتطور التقنيات وعصر الأنترنت والوسائل الجديدة والأقل تكلفة والأكثر تأثير في تحقيق أهداف الهيمنة العالمية في المنطقة والعالم.

لكن هذا كله لا ينهي إن النظام العالمي يعيش حالة من الأزمة ومن الممكن أن يشهد مزيد من التدهور أو تقاسم النفوذ والهيمنة بين قواها الرئيسية أو إيصال الحرب العالمية إلى مستوى استعمال الاسلحة النووية ، وهو يبحث عن الحل في الشرق الأوسط وفي الشرق الأدنى وفي أوربا، فهذه المناطق وكما كانت ربوع ومسارح للحروب العالمية السابقة فهي كذلك مع الحرب العالمية الثالثة التي تكتب أحد فصولها الآن في أوكرانيا استكملالا لفصلولها في الشرق الأوسط وخاصة مع حالة الربيع أو الخريف العربي والتمدد العثماني الأردوغاني في الدول العربية

وكما يقال فإن التغيير سنة الكون والطبيعية ولا يبقى حال على حاله وإن بقي فإن الزمن يتغير وهو كفيل بذلك وهذا بحد ذاته تغير فالوجود والزمن لابد أن يكون معه البناء والتغيير، ولكن كيف ومتى ومن يقوم به وبأية أفكار وأهداف، يتوقف هذا على من ينظمون أنفسهم ويرتبون أهدافهم ويقومون بواجباتهم المجتمعية وسيكتب النجاح لهم، ولا يهم كم عددك أو مساحتك أو لونك أو قوميتك ولكن المهم كم هي مقدار فعاليتك وتأثيرك ومشروعك الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي بعد قراءتك الصحيحة والكاملة لصورة المنطقة والعالم وبالتالي حضورك في المشهد المحلي والإقليمي والعالمي والذي لن يكون إلا بعد وحدة العمل والفكر والروح فهي شرط لكل نجاح وانتصار وتجاوز للأزمات وكما تلاقت الثقافة الأرية والسامية في بداية المدنية والحضارة تستطيع المنطقة او الشرق الأوسط وبشعوبها الأصيلة كالعربية والكردية وغيرهم تقديم مشروع لتجاوز الأزمة وترتيب المشهد الإقليمي وبالتالي إجبار قوى الهيمنة العالمية على أخذهم على محمل الجد في ترتيباتها واولوياتها في المنطقة، عبر تقديم بديل لسياق مجتمعي وديمقراطي حر كالأمة الديمقراطية والكونفدرالية الديمقراطية لشعوب الشرق الأوسط أو أية صيغ للعمل المشترك لمواجهة التحديات وتجاوز الأزمات ومشاريع التدخل الإقليمي والخارجي، مستندة لأخوة الشعوب وتحرر المرأة وريادتها مع الشباب وإنقاذهم البيئة والطبيعية من براثن نظام الربح والهيمنة ليكونوا نواة لتحقيق الديمقراطية في المنطقة وتحقيق التحول الديمقراطي في دول المنطقة .

جبهة النضال الديمقراطي/ لجنة الشباب

 

 

 

علي ابراهيم

عضو لجنة الاعلام في جبهة النضال الديمقراطي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى